المقدمة
يمتلك الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI) القدرة على إعادة تعريف قطاع الخدمات بشكل كامل، وفتح آفاق جديدة لخلق قيمة تقدر بتريليونات الدولارات. وكما أحدثت ثورة البرمجيات كخدمة (SaaS) طفرةً نتج عنها ظهور العديد من الشركات التي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، فإن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تحقق نتائج مشابهة أو حتى أكبر.
تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي جميع المقومات اللازمة للمنافسة والفوز. والآن أنسب الأوقات للتحرك بسرعة واتخاذ خطوات فعالة لتمكين اللاعبين المحليين من أن يصبحوا رواد أعمال سبّاقين إلى قصص نجاح تُولّد مليارات الدولارات من القيمة.
تبدأ كل رحلة طموحة بنهج عملي. يهدف هذا التقرير إلى استكشاف الفرص الفورية المتاحة للمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. نتوقع أن يتم تأسيس حوالي عشر شركات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI) تتراوح قيمتها بين 1 إلى 3 مليارات دولار لكل منها خلال السنوات الخمس القادمة. تستند هذه التقديرات على الأثر الاقتصادي على كفاءة التكلفة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتي من المتوقع أن تبلغ قيمتها 23 مليار دولار داخل دول مجلس التعاون الخليجي. من المهم الإشارة إلى أن هذه التقديرات لا تأخذ بعين الاعتبار الفوائد الأكبر؛ مثل زيادة الإيرادات والتوسع الجغرافي، التي تمثل قيمة وفائدة أكبر.
وكلاء الذكاء الاصطناعي: فرصة عالمية متنامية
هذه المرة الأمر مختلف
اليوم، عند تقييم إمكانيات الذكاء الاصطناعي، من غير المناسب الاعتماد بشكل كبير على الأحداث التاريخية والتأثيرات السابقة بمختلف المجالات. تاريخيًا، كانت قدرات الذكاء الاصطناعي محصورة في التنبؤ والتصنيف. أما الآن، مع الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبحت الآلات قادرة على توليد المحتوى والاستدلال مما يتيح فرصًا جديدة كانت سابقًا بعيدة المنال
يشمل توليد المحتوى استخدام نموذج الذكاء الاصطناعي لإنشاء مواد جديدة بشكل ذاتي، مثل النصوص والصور والأصوات، بناءً على بياناته التدريبية، مما ينتج عنه محتوى مميز يشابه العمل البشري.
الذكاء الاصطناعي التوليدي يستنتج مخرجاته من خلال التعرف على الأنماط في البيانات واستخدامها لاتخاذ القرارات، بدلاً من الاعتماد على القواعد المنطقية الصارمة كما في الأنظمة التقليدية. مما يجعله قادراً على التعلم من البيانات غير المنظمة والتعامل مع عدم اليقين، مما يفتح المجال لإمكانيات جديدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كمستثمرين، نؤمن أن القيمة الأكبر تكمن في طبقة التطبيقات؛ حيث يتم استخدام النماذج لحل تحديات تجارية محددة. نفضل طبقة التطبيقات على طبقة النماذج للأسباب التالية: ١) تتطلب رأس مال أقل، ٢) مخاطر تنظيمية وقانونية أقل، ٣) لا توجد تكاليف تدريب كبيرة. فعلى سبيل المثال، أفادت دراسة حديثة من ستانفورد أن تدريب GPT-4 من OpenAI كلف 78 مليون دولار، بينما كلف تدريب Google Gemini حوالي 191 مليون دولار. في المقابل يمكن تطوير نموذج أولي لتطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي ببضعة آلاف من الدولارات.
أفضل وسيلة لفهم الفرصة المتاحة في "طبقة التطبيقات" هي من خلال مقارنتها بالزخم الكبير الذي حققته صناعة "البرمجيات كخدمة". توضح الرسوم التوضيحية أدناه رؤية مبسطة لسلسلة القيمة لكل من "البرمجيات كخدمة" وسلسلة القيمة "للذكاء الاصطناعي التوليدي". عند تحليل سلسلة قيمة البرمجيات كخدمة، نلاحظ أن "البنية التحتية" و"المنصات" حققتا قيمة كبيرة، إلا أن ذلك كان تطلب استثمارًا ضخمًا للحصول على حصة سوقية معتبرة، والتي يتم اعتبارها حاليا كسلع أساسية. بالمثل، نعتقد أن طبقتي "البنية التحتية" و"المنصات" في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدم عوائد أقل جاذبية مقارنة بالمخاطر المحتملة. على النقيض، ستستفيد طبقة "التطبيقات"، وخاصة وكلاء الذكاء الاصطناعي، بشكل أكبر من الأسس التي وضعتها مزودو "البنية التحتية" و"المنصات".
تتميز طبقة التطبيقات في الذكاء الاصطناعي التوليدي بتقديم نموذج جديد للتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر عبر وكلاء الذكاء الاصطناعي. سيكون لهؤلاء الوكلاء دور في معظم الصناعات، حيث سيعززون (وفي حالات نادرة، يستبدلون) العديد من الوظائف. نؤمن أن هذا هو السيناريو الأساسي والوضع الطبيعي المستقبلي، حيث سيتم احتضان هذا التغيير وتنفيذه
مواقع، تطبيقات، وكلاء
منحتنا الشبكة المواقع، ومنحتنا الهواتف الذكية التطبيقات، وسيوفر لنا الذكاء الاصطناعي التوليدي الوكلاء
كاي نموذج جديد، سيتم بناء نظام بيئي واسع حول تطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي و مراقبتهم ومتابعتهم وضمان معايير الأمان والخصوصية وتوسيع نطاقها.
ما هو وكيل الذكاء الاصطناعي؟ هو برنامج ذكي يفهم ويحلل اللغة الطبيعية، ويستنتج ويتخذ قرارات بناءً على المدخلات، ويتفاعل مع المستخدمين بطريقة تشبه الإنسان، ويقوم بأفعال مستقلة (بما في ذلك استخدام تطبيقات متعددة كما يفعل الإنسان) لإنجاز مهمة معينة
الذكاء الاصطناعي التقليدي حاول تنفيذ ما يتم تقديمه من الوكلاء عن طريق روبوتات الدردشة (chatbots) و قواعد ال if-then. ولكن ظهرت العديد من التحديات التي بينت بشكل واضح أن استخدام هذه التقنيات لا يغني ابدا عن الوكلاء. بالمقابل الوكلاء باستخدام ال LLM قدمت الخدمة بطريقة تحاكي الإنسان.
تركيز رأس المال الجريء و تطبيقات من الواقع
بالنظر الى السنوات السابقة فان الاستثمارات في وكلاء الذكاء الاصطناعي لم يكن موضوعا شيقا للممولين من شركات الاستثمار الجريء. ولكن عندما أصبحت الفرصة الاستثمارية في طبقة "التطبيقات" أكثر وضوحا، بدأت شركات رأس المال الجريء بالانجذاب نحو الاستثمار في "الشركات الناشئة في مجال وكلاء الذكاء الاصطناعي" والتي تعمل بشكل خاص على تطوير وكلاء الذكاء الاصطناعي أو تلك التي تنشئ الأدوات والمكونات اللازمة لبناء ومراقبة وتعزيز الخصوصية والأمان التقني أو التي تعمل على تحسينها وزيادة مدى تغطيتها.
شهدت الولايات المتحدة تدفقا كبيرا من الاستثمارات التي تم ضخها في شركات وكلاء الذكاء الاصطناعي. فباستثناء OpenAI تم استثمار أكثر من مليار دولار في شركات تقدم حلول تقنية بنيت على النماذج الأساسية الحالية بمعدل نمو سنوي مركب قدره 64٪ على مدى العامين الماضيين، وهو امر رائع بالنظر الى ان اجمالي استثمارات رأس المال الجريء انخفضت بما يقارب 47٪ خلال نفس الفترة.
استثمارات رأس المال الجريء في الذكاء الاصطناعي التوليدي
يلاحظ أيضا أن هناك حركة مشابهة لما حدث بالولايات المتحدة في الهند، حيث انخفض إجمالي التمويل عن طريق رأس المال الجريء بنسبة 75٪ ومع ذلك استطاع الذكاء الاصطناعي أن يجذب المستثمرين والذي بدوره ارتفع بمعدل سنوي مركب قدره 87٪ خلال نفس الفترة.
ايضا تم ملاحظة هذا الاتجاه في على مستوى المسرعات، فعلى سبيل المثال شهدت احدث مجموعة من Y Combinator مسرعة الأعمال الأكثر رواجا في وادي السيليكون 255 طلبا مقبولا. 76%من بين الـ 255 طلب كانت لشركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن باب المقارنة فان صيف ٢٠٢١ مثلت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر أو غير مباشر 18% فقط.
توزيع دفعات YC حسب الفترة الزمنية، (S: summer, W: winter )
من الناحية النظرية، فنستطيع القول بأن لوكلاء الذكاء الاصطناعي القدرة على تعزيز أو استبدال صناعة الخدمات التي تبلع قيمتها 16 تريليون دولار باكملها. ولكن حاليا هناك عدد محدود من الوظائف التي تمثل فرصة واضحة ويمكن تحقيقها على مدى قريب.
أن الفئات الاربعة المذكورة اعلاه ذكرت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، فمثلا من اشهر الوظائف لوكلاء الذكاء الاصطناعي هي تلك المتعلقة بتعزيز هندسة البرمجيات وانشاء الاكواد الالية (شركة Cursor المختصة بتحرير الاكواد جمعت مايقارب 60 مليون دولار في سنة 2024). تشمل الفئات الأخرى عددا كبيرا من الأدوات والانظمة الأساسية التي يستخدمها المطورين لتمكينهم والعمل على توسيع نطاق وكلاء الذكاء الاصطناعي.
اذا ماهو مدى التاثير على ربحية الشركات؟ لدى كل من هذه الشركات المذكورة أعلاه قائمة طويلة من حالات دراسية حول كيفية مساعدة عملائها إما من خلال خفض التكاليف او تعزيز الإيرادات. من الأمثلة الحديثة على توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في القوى العاملة شركة Klarna، عملاق التكنولوجيا المالية في أوروبا. ففي خلال هذا العام أطلقت الشركة مساعدًا للذكاء الاصطناعي مدعومًا بالبنية التحتية لـ OpenAI. وبحسب بيانهم الصحفي، فإن المساعد:
١-أنتج ما يعادل عمل 700 وكيل بدوام كامل
٢- توفير ~20% من تكاليف خدمة العملاء والتشغيل
٣- تم تحقيق انخفاض بنسبة 25% تقريبًا في الاستفسارات المتكررة
٤- تم تحقيق تحسن بنسبة 80% تقريبًا في وقت حل العملية المطلوبة
٥- كل ذلك مع الحفاظ على نفس درجة رضا العملاء
وفي الأقسام التالية من التقرير، نقوم بقياس الأثر الاقتصادي المحتمل على الشركات العامة والخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.
المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي: فرص ضخمة وإمكانات هائلة
نتوقع بأن شركات الذكاء الاصطناعي التي ستقدم خدماتها لدول مجلس التعاون الخليجي فقط سيصل عددها الى 10 شركات بقيمة سوقية إجمالية تقدر بـ 18 مليار دولار، تصل فيها قيمة كل شركة الى مايقارب 1-3 مليار دولار من خلال التركيز على وظيفة واحدة من وظائف الذكاء الاصطناعي
تقدير القيمة المحتملة لحقوق الملكية لشركات وكلاء الذكاء الاصطناعي
عندما نقارن شركات وكلاء الذكاء الاصطناعي بالشركات التكنولوجية التي نجحت في دول مجلس التعاون الخليجي سنجد أن قيمتها الإجمالية عند التخارج قدرت بأقل من 10 مليار دولار. ونظرا لحداثة قطاع وكلاء الذكاء الاصطناعي وطبيعته الجديدة والابتكارية، فإن شركات القطاع الناجحة لديها القدرة على النمو والتوسع بسهولة خارج منطقتنا
إن طرق الحساب المذكورة في هذا التقرير يمكن الاعتراض عليها ومناقشتها، ولكن الهدف من هذا التمرين هو تمكين القارئ من تنمية الإحساس بحجم الفرصة المتوفرة.
وكلاء الذكاء الاصطناعي: فرصة توفير 23 مليار دولار لشركات دول مجلس التعاون الخليجي
نتوقع أن تتمكن شركات وكلاء الذكاء الاصطناعي من تحقيق وفورات في التكاليف تصل إلى حوالي 3 مليار دولار لشركات تداول (باستثناء أرامكو السعودية)، و12 مليار دولار للشركات السعودية بشكل عام، و23 مليار دولار لشركات دول مجلس التعاون الخليجي.
تستند التقديرات المذكورة أعلاه على تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي المتاحة، ولا تأخذ بعين الاعتبار الابتكارات المستقبلية التي قد تحدث
المنهجية المتبعة لتقدير الوفورات من وكلاء الذكاء الاصطناعي
من الجدير بالذكر ان تقسيمة الوفورات المحتملة حسب القطاع تعتمد على عدة عوامل منها حجم القطاع ومدى اهمية وعلاقة وكلاء الذكاء الاصطناعي مع كل قطاع
بالنسبة لكل قطاع، تم تحديد الوظائف التي يمكن تطبيقها للقطاع من خلال وكلاء الذكاء الاصطناعي ومن ثم ربطها مع العمليات ذات الصلة التي تتم بالشركات مثل خدمة العملاء والتسويق وما إلى ذلك.
قمنا بعد ذلك باختيار اللاعبين الرئيسيين لكل صناعة و المدرجين في تداول، تم تطبيق نسبة التوفير في التكاليف على التكاليف الإجمالية التي ستتأثر بوكلاء الذكاء الاصطناعي. اخيرا، ومن خلال استخدام الحصة السوقية للاعبين الذين تم تطبيق التمرين عليهم، تم استنتاج قيمة التوفير في التكاليف على مستوى القطاع بأكمله.
نتوقع أن يتمكن وكلاء الذكاء الاصطناعي من تحقيق وفورات تقدر ب 10% حتى 30% من التكاليف المتاثرة بتقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي و من 4% حتى 8% من التكلفة الاجمالية لمعظم القطاعات مما يمكنهم من خلق قيمة ذات معنى للمساهمين. وبالطبع تستفيد بعض القطاعات بشكل أكبر من غيرها بناءا على مدى اعتمادها على الوظائف المتأثرة من هذه التقنية.
وكلاء الذكاء الاصطناعي: عامل تعزيز للمشاريع التقنية
إن مدى تأثير تقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي على الشركات الرقمية في دول مجلس التعاون الخليجي أكبر من مدى تأثيرها على الشركات التقليدية القائمة، وذلك يعود لوزن التكاليف التشغيلية مقارنة بإيرادات الشركات التقنية. في التمرين أدناه، اخترنا خمس شركات في محفظة STV وقمنا بتحليل وفورات التكاليف المحتملة عندما تستخدم تقنية وكلاء الذكاء الاصطناعي، وضعنا بعين الاعتبار تقييم الشركة وربحيتها عند استخدام التقنية، ومن ثم استخلاص القيمة النهائية المحتملة للمساهمين.
التكاليف التي يمكن توفيرها لشركات مختارة من محفظة STV
وبالنظر مرة أخرى الى شركات مختارة من محفظة STV، نؤمن أن لوكلاء الذكاء الاصطناعي القدرة على تعزيز وتوليد الإيرادات بشكل أكبر من قدرته على خفض التكاليف.
الإيرادات التي يمكن توليدها لشركات مختارة من محفظة STV
مثل الكثيرين، نعتقد أن المستقبل القريب سيجلب شركات ذات تقييم بمقدار مليار دولار واعلى (Unicorns) تتميز بتكاليف تشغيلية قليلة جدا، حتى أن بعض الشركات قد تدار من قبل شخص واحد، خصوصا اذا كانت الشركة تعمل بقطاع ونموذج عمل محدد.
باختصار، لا يمكن إنكار مدى أهمية التوفير في التكاليف وتوليد الإيرادات والتي تعد أمرا جوهريا للشركات . من المتوقع أن يستمر التحسن والتطور في الحلول المقدمة من الـ LLM. ففي السنوات القادمة سنجد عددا متزايدا من وكلاء الذكاء الاصطناعي او الـ Co-Pilots الذين سيعملون على خلق أو استبدال العديد من الوظائف، والذي سيؤدي الى توسيع الفارق بين الشركات التي تتبنى هذه التقنيات وتلك التي لا تعتمدها.
يجب أن تكون هناك ستة عوامل تمكينية لتحقيق الوفورات في التكاليف وخلق القيمة المذكورة أعلاه، ثلاثة منها هي عوامل تمكين تقنية، والثلاثة الأخرى هي عوامل تمكين للأعمال. نناقش هذه العوامل التمكينية في الفصول التالية.
البنية التحتية تتطلب المزيد من التوطين
هناك ستة عوامل تمكين رئيسية ضرورية لإطلاق العنان لفرص وكلاء الذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي: ثلاثة منها هي عوامل تمكين تقنية، والثلاثة الأخرى هي عوامل تمكين للأعمال. إن عوامل التمكين التقنية الثلاثة تتضمن النماذج ومراكز البيانات وأصول البيانات - والتي سيتم مناقشتها أدناه.
النماذج: اللهجات المحلية، مستضافة ومدارة محلياً
يتم إنشاء معظم وكلاء الذكاء الاصطناعي من خلال دمج (Gluing) مجموعة من النماذج معًا لحل حالة استخدام تجارية محددة. عادةً، تستخدم الشركات مكونات جاهزة مفتوحة المصدر (Open source) أو موفري ذكاء اصطناعي تابعين لجهات خارجية.
على سبيل المثال، تلجأ إحدى شركات الذكاء الاصطناعي التي تستهدف السوق الأمريكية والتي تحتاج إلى الإمكانيات لتحويل النص إلى كلام (Text-to-speech) إلى موفري خدمات خارجيين مثل ElevenLabs (التي جمعت مؤخرًا 80 مليون دولار) أو منافستها الأصغر PlayHT.
في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، النماذج المحلية محدودة. على سبيل المثال، لا يوجد نموذج مفتوح المصدر لتحويل النص إلى كلام مستضاف محليًا أو مفتوح المصدر بلكنة سعودية. ونتيجة لذلك، يجب على شركات وكلاء الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية بناء هذا المكون من الصفر لتلبية الاحتياجات المحلية، وهو التحدي الذي لا تواجهه الشركات في الأسواق الأخرى.
ولسد الفجوة الكامنة في نماذج الذكاء الاصطناعي، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي التركيز على إجراءين رئيسيين: (1) تطوير نماذج مصممة خصيصًا لتناسب اللهجات المحلية، وخاصة تحويل الكلام إلى نص (Text-to-speech)، و(2) تقديم هذه النماذج كخدمات مُدارة مستضافة محليًا للشركات لاستخدام (inference) أو إتاحتها كمصدر مفتوح. ويمكن تحقيق ذلك من خلال برامج الحوافز التي تشجع الشركات الناشئة على التخصص في هذه النماذج، أو من خلال الكيانات التابعة للحكومة التي تقود التطوير والخدمة. والأهم من ذلك، يجب أن تكون هذه النماذج متاحة بسهولة للمستخدمين في جميع أنحاء العالم، من خلال عملية تسجيل بسيطة والدفع ببطاقة الائتمان، وتجنب الحاجة لوجود فرق مبيعات على مستوى المؤسسة.
مراكز البيانات: زيادة سعة تمكين وحدات معالجة الرسوميات (GPUs)
يعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على مراكز البيانات التي تدعم وحدة معالجة الرسومات لكل من تدريب النماذج استخدامها. غالبًا ما تتطلب المؤسسات الكبيرة والكيانات الخاضعة للتنظيم أن تتم جميع العمليات الحسابية محليًا، إما داخل بلدها أو داخل مقرها في مراكز البيانات الخاصة بها. على الرغم من أن التدريب في مراكز البيانات العالمية يكون مقبولًا عادةً (اعتمادًا على مجموعة البيانات)، إلا أنه يجب دائمًا يتم الإستخدام (inference) محليًا للكيانات الخاضعة للتنظيم. وفي الدول الكبيرة مثل المملكة العربية السعودية، يصبح هذا تحديًا بسبب العدد المحدود من مراكز البيانات المجهزة بوحدة معالجة الرسومات. تبلغ سعة مراكز البيانات في المملكة العربية السعودية للناتج المحلي الإجمالي 25% مقارنة بأمريكا الشمالية.
أصول البيانات: إتاحة مجموعات بيانات محلية ذات جودة عالية
تحتاج النماذج إلى الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات التي تعكس الفروق الدقيقة في اللغة المحلية والسياق الثقافي حتى يتم بناء نموذج فعال للذكاء الاصطناعي، خصوصا في سياق الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبينما يمكن استخدام هذه البيانات في الضبط والمعايير الإقليمية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أيضًا أن تلعب دورًا في إنشاء مجموعات بيانات عالمية المستوى في مجالات محددة يوجد فيها ميزة، مثل الطاقة أو الرعاية الصحية.
.تمكين الأعمال يتطلب التمويل والمشاركة من الشركات
إن عوامل التمكين الرئيسية الثلاثة للأعمال تتمثل في رأس المال والمواهب والشركات الكبيرة التي تتمتع بقدرة فريدة على تمكين الشركات الناشئة في مجال B2B.
رأس المال: متخصص وقادر
نظرًا لوجودنا في المرحلة المبكرة من قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي وديناميكيته السريعة التغير، يتردد العديد من مستثمري رأس المال الاستثماري التقليديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تحمل المخاطر أو اكتساب المعرفة اللازمة لهذا القطاع. كما ذكرنا في الأقسام السابقة، استثمرت الهند (لدى الهند ناتج محلي إجمالي مشابه لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا) 128 مليون دولار في النصف الأول من عام 2024 وحده، و ركزت جميعها على شركات الذكاء الاصطناعي ذات طبقة التطبيقات. شهدت إسرائيل، وهي دولة ذات أقل من نصف الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية، استثمار 93 مليون دولار في الشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي في النصف الأول من عام 2024، مع تجاوز القطاع للتكنولوجيا المالية والأمن السيبراني ليصبح القطاع الأكثر تمويلًا من حيث عدد الصفقات.
المواهب: كافية كبداية ولكن هناك حاجة للمزيد
تعتمد منتجات التطبيقات في الذكاء الاصطناعي التوليدي على هندسة البرمجيات التقليدية أكثر من اعتمادها على خبرة الذكاء الاصطناعي المتخصصة. ولذلك، فإن الحاجز التكنولوجي أمام إنشاء وكلاء الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة أعلى مما هو عليه في القطاعات الرقمية الأخرى مثل SaaS. ففي كثير من الأحيان، يتمثل التحدي في استخدام المكونات والأدوات الموجودة لإنشاء منصات مصممة خصيصًا لحالات استخدام محددة. وفي هذا الصدد فإن القدرات التقنية التي تتمتع بها المنطقة كافية للاستفادة من هذه الفرصة.
ومع ذلك، يجب أن تتمحور استراتيجية المنطقة دائمًا حول جذب أفضل المواهب العالمية والاحتفاظ بها، سواء المتخصصين في الذكاء الاصطناعي أو غيرهم. وفي حين أننا لا نعتقد أن مشهد المواهب المحلية الحالي يبطئ دول مجلس التعاون الخليجي من خلق القيمة في التطبيقات لجيل الذكاء الاصطناعي، إلا أننا لا نزال حريصين على رؤية هذه الميزة تنمو وتتضاعف على المستويات العالمية.
العملاء: دور الشركات حاسم
تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى المزيد من الشركات العملاقة للتعامل مع الشركات الناشئة. عندما يتعاون كيان كبير، مثل بنك أو مجموعة بيع بالتجزئة أو شركة اتصالات، مع شركة ناشئة في مرحلة التأسيس لاثبات المفهوم (PoC)، فإن ذلك يمثل علامة فارقة بالغة الأهمية. يجذب هذا النجاح المستثمرين في المراحل اللاحقة، مما يخلق حلقة فعالة من تطوير المنتجات واكتساب عملاء جدد. هذه الدورة ضرورية لنمو B2B وتوسيع السوق. في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة، غالبًا ما يكون لدى شركات Fortune 500 فرق مشاركة مخصصة للشركات الناشئة لتعزيز التعاون ودفع القيمة المتبادلة. يمكن لبرنامج الحوافز في دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون له تأثير كبير على ولادة الشركات الرقمية الناشئة في مجال التعاملات بين الشركات (B2B)، والتي يمكن أن تتوسع لاحقًا خارج منطقة قاعدتها الرئيسية.
وقت التحرك وانتهاز الفرصة
باعتبارنا مستثمرين محليين، نعتقد أننا أمام فرصة سانحة لإنشاء قاعدة رئيسية ثانية لعمالقة الذكاء الاصطناعي، ومع اتخاذ الإجراءات الصحيحة، فإن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في وضع فريد يمكنها من اغتنام هذه الفرصة.
بعد ازدهار SaaS في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، برزت الهند كلاعب رئيسي ضمنت فيها المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وذلك يعود بسبب أدراك رواد الأعمال والمستثمرون الفرصة في وقت مبكر، وقاموا بتحسين استراتيجياتهم العالمية، ويقودون اليوم مجالات متعددة مع شركات مثل Zoho (أكثر من مليار دولار بالإيرادات)، وFreshworks (ما يقارب 10 مليار دولار للاكتتاب في الطرح الأولي)، وCleverTap وShipsy وBrowserStack.
نحن نواجه الآن ديناميكية مماثلة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع بدء البلدان في جميع أنحاء العالم من نفس النقطة تقريبا، فهذا هو الوقت المثالي لوضع سوقنا المحلية كقاعدة رئيسية ثانية. المطلوب هو (1) رأس المال، (2) الموهبة، و(3) العملاء.
يظهر التاريخ أن الشركات الناشئة الناجحة تخلق أنظمة بيئية تغذي المشاريع المستقبلية - مثل PayPal Mafia أو Careem Mafia. ومن خلال التحرك الآن، يمكننا تعزيز صعود عمالقة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يخلق تأثيرًا دائمًا على المشهد التكنولوجي في المنطقة.